سورة الأعراف - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأعراف)


        


{قَالُوا} يعني السحرة لفرعون، {إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ} راجعون في الآخرة.
{وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا} أي: ما تكره منا. وقال الضحاك وغيره: وما تطعن علينا. وقال عطاء: ما لنا عندك من ذنب تعذبنا عليه، {إِلا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا} ثم فزعوا إلى الله عز وجل فقالوا: {رَبَّنَا أَفْرِغْ} اصبب، {عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} ذكر الكلبي: أن فرعون قطع أيديهم وأرجلهم وصلبهم وذكر غيره: أنه لم يقدر عليهم لقوله تعالى: {فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون} [القصص- 35].
{وَقَالَ الْمَلأ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ} له {أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأرْضِ} وأرادوا بالإفساد في الأرض دعاءهم الناس إلى مخالفة فرعون في عبادته، {وَيَذَرَكَ} أي: وليذرك، {وَآلِهَتَكَ} فلا يعبدك ولا يعبدها. قال ابن عباس: كان لفرعون بقرة يعبدها، وكان إذا رأى بقرة حسناء أمرهم أن يعبدوها، فلذلك أخرج السامري لهم عجلا. وقال الحسن: كان قد علق على عنقه صليبا يعبده. وقال السدي: كان فرعون قد اتخذ لقومه أصناما وأمرهم بعبادتها، وقال لقومه هذه آلهتكم وأنا ربها وربكم، فذلك قوله: {أنا ربكم الأعلى} [النازعات- 24]، وقرأ ابن مسعود وابن عباس والشعبي والضحاك: {ويذرك وإلاهتك} بكسر الألف، أي: عبادتك فلا يعبدك، لأن فرعون كان يُعْبَد ولا يَعْبُد وقيل: أراد بالآلهة الشمس. وكانوا يعبدونها قال الشاعر:
تروحنا من اللعباء قصرا *** وأعجلنا الإلاهة أن تؤبا
{قَالَ} فرعون {سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ} قرأ أهل الحجاز: {سنقتل} بالتخفيف من القتل، وقرأ الآخرون بالتشديد من التقتيل على التكثير، {وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ} نتركهن أحياء، {وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} غالبون. قال ابن عباس: كان فرعون يقتل أبناء بني إسرائيل في العام الذي قيل أنه يولد مولود يذهب بملكك، فلم يزل يقتلهم حتى أتاهم موسى بالرسالة، وكان من أمره ما كان، فقال فرعون: أعيدوا عليهم القتل، فأعادوا عليهم القتل، فشكت ذلك بنو إسرائيل.


{قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأرْضَ لِلَّهِ} يعني أرض مصر، {يُورِثُهَا} يعطيها {مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} بالنصر والظفر. وقيل: السعادة والشهادة. وقيل: الجنة.
{قَالُوا أُوذِينَا} قال ابن عباس: لما آمنت السحرة اتبع موسى ستمائة ألف من بني إسرائيل، فقالوا- يعني قوم موسى- إنا أوذينا، {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا} بالرسالة بقتل الأبناء، {وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا} بإعادة القتل علينا. وقيل: فالمراد منه أن فرعون كان يستسخرهم قبل مجيء موسى إلى نصف النهار، فلما جاء موسى استسخرهم جميع النهار بلا أجر. وذكر الكلبي أنهم كانوا يضربون له اللَّبِن بتبن فرعون، فلما جاء موسى أجبرهم أن يضربوه بتبن من عندهم. {قَالَ} موسى {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ} فرعون، {وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأرْضِ} أي: يسكنكم أرض مصر من بعدهم، {فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} فحقق الله ذلك بإغراق فرعون واستخلافهم في ديارهم وأموالهم فعبدوا العجل.
قوله عز وجل: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ} أي: بالجدوب والقحط. تقول العرب: مستهم السنة، أي: جدب السنة وشدة السنة. وقيل: أراد بالسنين القحط سنة بعد سنة، {وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ} والغلات بالآفات والعاهات. وقال قتادة: أما السنين فلأهل البوادي، وأما نقص الثمرات فلأهل الأمصار، {لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} أي: يتعظون وذلك لأن الشدة ترقق القوب وترغبها فيما عند الله عز وجل.


{فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ} يعني: الخصب والسعة والعافية، {قَالُوا لَنَا هَذِهِ} أي: نحن أهلها ومستحقوها على العادة التي جرت لنا في سعة أرزاقنا ولم يروها تفضلا من الله عز وجل فيشكروا عليها، {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} جدب وبلاء ورأوا ما يكرهون، {يَطَّيَّرُوا} يتشاءموا، {بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ} وقالوا: ما أصابنا بلاء حتى رأيناهم، فهذا من شؤم موسى وقومه.
قال سعيد بن جبير ومحمد بن المنكدر: كان ملك فرعون أربعمائة سنة، وعاش ستمائة وعشرين سنة لا يرى مكروها، ولو كان له في تلك المدة جوع يوم أو حمى ليلة، أو وجع ساعة، لما ادعى الربوبية قط. قال الله تعالى: {أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ} أي: انصباؤهم من الخصب والجدب والخير والشر كله من الله. وقال ابن عباس: طائرهم ما قضى الله عليهم وقدّر لهم. وفي رواية عنه: شؤمهم عند الله ومن قِبَل الله. أي: إنما جاءهم الشؤم بكفرهم بالله. وقيل: معناه الشؤم العظيم الذي لهم عند الله من عذاب النار، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} أن الذي أصابهم من الله.
{وَقَالُوا} يعني: القبط لموسى {مَهْمَا تَأْتِنَا} متى ما كلمة تستعمل للشرط والجزاء، {تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ} من علامة، {لِتَسْحَرَنَا بِهَا} لتنقلنا عما نحن عليه من الدين، {فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} بمصدقين.
{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ} قال ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة ومحمد بن إسحاق- دخل كلام بعضهم في بعض-: لما آمنت السحرة، ورجع فرعون مغلوبا، أبى هو وقومه إلا الإقامة على الكفر والتمادي في الشر، فتابع الله عليهم الآيات وأخذهم بالسنين ونقص من الثمرات، فلما عالج منهم بالآيات الأربع: العصا، واليد، والسنين، ونقص الثمار، فأبوا أن يؤمنوا فدعا عليهم، فقال: يا رب إن عبدك فرعون علا في الأرض وبغى وعتا وإن قومه قد نقضوا عهدك، رب فخذهم بعقوبة تجعلها لهم نقمة ولقومي عظة ولمن بعدهم آية وعبرة، فبعث الله عليهم الطوفان، وهو الماء، أرسل الله عليهم الماء وبيوت بني إسرائيل وبيوت القبط مشتبكة مختلطة، فامتلأت بيوت القبط حتى قاموا في الماء إلى تراقيهم ومن جلس منهم غرق، ولم يدخل بيوت بني إسرائيل من الماء قطرة، وركد الماء على أرضهم لا يقدرون أن يحرثوا ولا يعملوا شيئا، ودام ذلك عليهم سبعة أيام من السبت إلى السبت.
وقال مجاهد وعطاء: الطوفان الموت. وقال وهب: الطوفان الطاعون بلغة اليمن، وقال أبو قلابة: الطوفان الجدري، وهم أول من عذبوا به فبقي في الأرض.
وقال مقاتل: الطوفان الماء طغى فوق حروثهم.
وروى ابن ظبيان عن ابن عباس قال: الطوفان أمر من الله طاف بهم، ثم قرأ {فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون} [القلم- 19].
قال نحاة الكوفة: الطوفان مصدر لا يُجْمَعُ، كالرجحان والنقصان.
وقال أهل البصرة: هو جمع، واحدها طوفانة، فقال لموسى ادع لنا ربك يكشف عنا المطر فنؤمن بك ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربه فرفع عنهم الطوفان، فأنبت الله لهم في تلك السنة شيئا لم ينتبه لهم قبل ذلك من الكلأ والزرع والثمر وأخصبت بلادهم، فقالوا: ما كان هذا الماء إلا نعمة علينا وخصبا، فلم يؤمنوا وأقاموا شهرا في عافية، فبعث الله عليهم الجراد فأكل عامة زروعهم وثمارهم وأوراق الشجر حتى كانت تأكل الأبواب وسقوف البيوت والخشب والثياب والأمتعة ومسامير الأبواب من الحديد حتى تقع دورهم، وابتلي الجراد بالجوع، فكان لا يشبع ولم يصب بني إسرائيل شيء من ذلك فعجوا وضجوا، وقالوا: يا موسى ادع لنا ربك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك، وأعطوه عهد الله وميثاقه، فدعا موسى عليه السلام فكشف الله عنهم الجراد بعدما أقام عليه سبعة أيام من السبت إلى السبت.
وفي الخبر: «مكتوب على صدر كل جرادة جند الله الأعظم».
ويقال إن موسى برز إلى الفضاء فأشار بعصاه نحو المشرق والمغرب فرجعت الجراد من حيث جاءت، وكانت قد بقيت من زروعهم وغلاتهم بقية، فقالوا: قد بقي لنا ما هو كافينا فما نحن بتاركي ديننا، فلم يفوا بما عاهدوا، وعادوا لأعمالهم السوء، فأقاموا شهرا في عافية، ثم بعث الله عليهم القمل.
واختلفوا في القمل فروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: القمل السوس الذي يخرج من الحنطة. وقال مجاهد والسدي وقتادة والكلبي: القمل الدَّبى والجراد الطيارة التي لها أجنحة، والدبى الصغار التي لا أجنحة لها. وقال عكرمة: هي بنات الجراد. وقال أبو عبيدة: وهو الحمْنَان وهو ضرب من القراد. وقال عطاء الخرساني: هو القمل. وبه قرأ أبو الحسن {القَمْل} بفتح القاف وسكون الميم.
قالوا: أمر الله موسى أن يمشي إلى كثيب أعفر، بقرية من قرى مصر تدعى عين الشمس، فمشى موسى إلى ذلك الكثيب وكان أهيل فضربه بعصاه فانثال عليهم القمل، فتتبع ما بقي من حروثهم وأشجارهم وبناتهم فأكله، ولحس الأرض كلها وكان يدخل بين ثوب أحدهم وجلده فيعضه، وكان أحدهم يأكل الطعام فيمتلئ قملا.
قال سعيد بن المسيب: القمل السوس الذي يخرج من الحبوب، وكان الرجل يخرج عشرة أجربة إلى الرحا فلا يرد منها ثلاثة أقفزة، فلم يصابوا ببلاء كان أشد عليهم من القمل، وأخذ أشعارهم وأبشارهم وأشفار عيونهم وحواجبهم ولزم جلودهم كأنه الجدري عليهم ومنعهم النوم والقرار فصرخوا وصاحوا إلى موسى أنا نتوب فادع لنا ربك يكشف عنا البلاء، فدعا موسى عليه السلام الله فرفع الله القمل عنهم بعدما أقام عليهم سبعة أيام من السبت إلى السبت، فنكثوا وعادوا إلى أخبث أعمالهم. وقالوا: ما كنا قط أحق أن نستيقن أنه ساحر منا اليوم يجعل الرمل دواب. فدعا موسى بعدما أقاموا شهرا في عافية، فأرسل الله عليهم الضفادع فامتلأت منها بيوتهم وأفنيتهم وأطعمتهم وآنيتهم، فلا يكشف أحد إناء ولا طعاما إلا وجد فيه الضفادع، وكان الرجل يجلس في الضفادع إلى ذقنه، ويهم أن يتكلم فيثب الضفدع في فيه، وكانت تثب في قدورهم فتفسد عليهم طعامهم وتطفئ نيرانهم، وكان أحدهم يضطجع فتركبه الضفادع فتكون عليه ركاما حتى ما يستطيع أن ينصرف إلى شقه الآخر، ويفتح فاه لأكلته فيسبق الضفدع أكلته إلى فيه، ولا يعجن عجينا الإ تشدخت فيه، ولا يفتح قدرا إلا امتلأت ضفادع، فلقوا منها أذى شديدا.
روى عكرمة عن ابن عباس قال: كانت الضفادع برية، فلما أرسلها الله على آل فرعون سمعت وأطاعت فجعلت تقذف أنفسها في القدور وهي تغلي، وفي التنانير وهي تفور، فأثابها الله بحسن طاعتها برد الماء، فلما رأوا ذلك بكوا وشكوا ذلك إلى موسى، وقالوا هذه المرة نتوب ولا نعود، فأخذ عهودهم ومواثيقهم، ثم دعا ربه فكشف عنهم الضفادع بعدما أقام سبعا من السبت إلى السبت، فأقاموا شهرا في عافية ثم نقضوا العهد وعادوا لكفرهم، فدعا عليهم موسى فأرسل الله عليهم الدم، فسال النيل عليهم دما وصارت مياههم دما وما يستقون من الآبار والأنهار إلا وجدوه دما عبيطا أحمر، فشكوا إلى فرعون وقالوا ليس لنا شراب، فقال: إنه سحركم، فقالوا: من أين سحرنا ونحن لا نجد في أوعيتنا شيئا من الماء إلا دما عبيطا؟ وكان فرعون يجمع بين القبطي والإسرائيلي على الإناء الواحد فيكون ما يلي الإسرائيلي ماء والقبطي دما ويقومان إلى الجرة فيها الماء فيخرج للإسرائيلي ماء وللقبطي دم حتى كانت المرأة من آل فرعون تأتي المرأة من بني إسرائيل حين جهدهم العطش فتقول اسقني من مائك فتصب لها من قربتها فيعود في الإناء دما حتى كانت تقول اجعليه في فيك ثم مجيه في فيَّ فتأخذ في فيها ماء فإذا مجَّته في فيها صار دما، وإن فرعون اعتراه العطش حتى إنه ليضطر إلى مضغ الأشجار الرطبة، فإذا مضغها يصير ماؤها في فيه ملحا أجاجا، فمكثوا في ذلك سبعة أيام لا يشربون إلا الدم.
قال زيد بن أسلم: الدم الذي سلط عليهم كان الرعاف، فأتوا موسى وقالوا يا موسى ادع ربك يكشف عنا هذا الدم فنؤمن بك ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربه عز وجل فكشف عنهم، فلم يؤمنوا، فذلك قوله عز وجل: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ} يتبع بعضها بعضا. وتفصيلها أن كل عذاب يمتد أسبوعا، وبين كل عذابين شهرا، {فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ}.

9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16